روسيا هي البلد الوحيد الذي يمتلك نظام، لا نظير له في العالم، يقوم بضربة نووية جوابية على العدو، حتى لو حدثت كارثة ولم يبق في روسيا من يتخذ قرار الرد. هذا النظام يسمى "بيريميتر" (المُحَلَّق)، أو كما يسميه الغرب "اليد الميتة"، يتخذ تلقائيا قرار الرد دون الرجوع إلى أحد – ويرد بشكل قاسي.
لنتخيل أسوأ الاحتمالات. السلام الهش والعالم الذي يترنح على حافة من الحرب، انهار. ونفذ صبر "الديمقراطيين الغربيين"، ووجهوا إلى روسيا ضربة نووية استباقية. الصواريخ القاتلة أطلقت من تحت الأرض، ومن الغواصات ومن الطائرات. وسقطت آلاف الرؤوس الحربية على المدن والمنشآت العسكرية. وبينما القيادة الروسية في حالة صدمة وهلع، وتحاول معرفة ما حدث، وكيفية إصلاح الأمور — هذا إذا بقي شيء يمكن إصلاحه. المناطق الرئيسية الكبرى والمراكز الصناعية والعسكرية ومراكزالقيادة والسيطرة والاتصالات، دمرت جميعا بالضربة الأولى الهائلة. والترسانة النووية الروسية القوية المرعبة لم يكن هناك متسع من الوقت لاستخدامها: لم تصدر الأوامر، ولم يبق أحد الآن قادر على إعطاء الأوامر، ولمن إعطاؤها؟
في نفس اللحظة التي يرفع فيها جنرالات الناتو كؤوس النصر، يحدث أمر لا يمكن تصوره. روسيا التي بدا على أنها سكتت إلى الأبد تقوم من بين الأنقاض. وتنطلق آلاف الصواريخ الروسية باتجاه الدول الغربية — وكثير منها يخترق منظومات الدفاع الصاروخي، ويقضي على المدن الكبرى، والقواعد العسكرية ومراكز القيادة ويمحيها من وجه الأرض. انتهى كل شيء… لم ينتصر أحد…وخسرت البشرية.
هكذا يعمل نظام "بيريميتر" الذي تطلق عليه الصحافة الغربية اسم تقشعر له الأبدان "اليد الميتة" (Dead hand)، آخر معقل الآن للدولة الروسية. وعلى الرغم من وجود عدد كبير ومتنوع من القصص عن "آلات يوم القيامة» (Doomsday Machines)، التي تضمن الرد على أي خصم، يمكن القول بثقة تامة أن نظام "بيريمتر" السوفييتي — الروسي وحده فقط قادر على فعل ذلك.
نظام "بيريميتر" يعد من أكثر الأمور العسكرية سراً، وجميع المعلومات حول مكوناته، ووظائفه، وطريقة عمله هي معلومات قليلة جدا، وسرية للغاية، فالنطلع على ما هو معروف عن هذا النظام:
نظام "بيريميتر" هو نظام أوامر آلي يصدر أوامره إلى القوات النووية الروسية لتوجيه ضربة نووية جوابية مدمرة (حتى عندما تكون قد دمرت بالكامل مراكز القيادة وخطوط الاتصالات مع قوات الصواريخ الاستراتيجية). فهو يضمن إطلاق الصواريخ البالستية من جميع منصات الإطلاق البرية والجوية والبحرية، في حال تمكن العدو من تدمير كل القيادات التي يمكن أن تعطي أوامر الرد. نظام "بيريميتر" هو نظام مستقل تماما وغير مرتبط بالوسائل الأخرى للاتصالات وأوامر مراكزالقيادة، وحتى "الحقيبة النووية" لا علاقة لها بتفعيله.
بدأ تصميم نظام الرد النووي الحتمي في ذروة الحرب الباردة، عندما بدا واضحاً أن وسائل الحرب الإلكترونية التي تتطور باستمرار، سوف تستطيع في المستقبل القريب قطع أقنية الاتصالات الرئيسة للتحكم بالقوات الاستراتيجية النووية، وتطلّب الأمرُ وسيلة احتياطية قادرة على تأمين نقل الأوامر إلى قواعد الإطلاق. دخل هذا النظام الخدمة القتالية في عام 1985، وتم تحديثه بعد خمس سنوات من ذلك.
"بيريميتر" في حالة تأهب دائم، يتلقى المعلومات من منظومات التتبع والمراقبة، بما في ذلك — رادارات الإنذار المبكر عن الهجمات الصاروخية. عدا عن ذلك يمتلك النظام مراكز مراقبة وتتبع مستقلة خاصة به. وفقا لبعض المصادر، هذه المراكز موزعة على أراضي واسعة، تفصل بينها مسافات كبيرة وتكرر وظائف بعضها البعض.
في هذه المراكز يوجد ويعمل الجزء الأهم والأكثر سرية في نظام "بيريميتر"، منظومة ذاتية للمراقبة والتحكم والقيادة. وهي منظومة برمجيات معقدة، أنشئت على أساس الذكاء الاصطناعي. تتلقى المعلومات عن المكالمات اللاسلكية، ومجال الإشعاع النووي، والإشعاعات الأخرى في نقاط المراقبة، وتتلقى المعطيات من رادارات الإنذار المبكر عن الهجمات الصاروخية وعن النشاط الزلزالي، وبناء على كل هذه المعلومات وتحليلها، تستطيع استخلاص هل وقع هجوم نووي كامل أم لا.
إذا " نضج الوضع" النظام ذاتيا ينتقل إلى حالة الجاهزية القتالية القصوى. ويصبح ينقصه عامل واحد:عدم وجود إشارات منتظمة من مراكز القيادة العادية لقوات الصواريخ الاستراتيجية. إذا انقطعت الإشارات لفترة معينة — نظام "بيريميتر" يبدأ بنهاية العالم.
الانتقام أمر لا مفر منه!
يقول أحد مصممي نظام "بيريميتر"، فلاديمير يارينيتش، في مقابلة مع مجلة الأمريكية Wired : "لقد تم تصميمه بحيث يكون في حالة سبات، دون أن يتوقف عن تحليل المعلومات الواردة، إلى أن تقوم القيادة العسكرية بتفعيله في حالة الأزمات، أو يتلق إشارة من رادارات الإنذار المبكر. فيبدأ بالمراقبة عبر شبكة أجهزة الاستشعار — الزلزالي، والإشعاعي، والضغط الجوي — باحثا عن دلائل للتفجيرات النووية.
قبل أن يبدأ نظام "بيريميتر" بالضربة الجوابية، عليه أن يتحقق من أربعة "إذا": إذا تم تنشيط النظام، أولا سيحاول "بيريميتر" تحديد ما إذا كان هناك استخدام للأسلحة النووية ضد الأراضي السوفيتية (الروسية). إذا اتضح أن هذا حقيقة، يقوم النظام بالتحقق من وجود اتصال مع الأركان العامة. إذا كان هناك اتصال، سيتم إيقاف تشغيل النظام تلقائيا بعد مرور فترة معينة من الزمن دون دليل على حدوث الهجوم (من 15 دقيقة إلى ساعة واحدة)، وتم التأكد بأن المسؤولين قادرون على إعطاء أمر الضربة الجوابية، ولا يزالون على قيد الحياة.
ولكن إذا لم يكن هناك أي اتصال مع الأركان العامة، ومع منظومة "كازبيك" (المنظومة الأساسية للتحكم في القوات النووية)، "بيريميتر" يستنتج أن يوم القيامة قد حل، ويعطى على الفور الحق باتخاذ قرارالرد لأي شخص عسكري حي في تلك اللحظة موجود في ملجأ تحكم عميق وآمن، متجاوزا بذلك جميع التعليمات التسلسلية المعتادة ".
فتنطلق من أعماق الأرض صواريخ القيادة A1115 (وزن الواحد 71 طن، ومداه يصل الى 11000 كم)، التي تحمل رؤوس خاصة. في حد ذاتها هذه الصواريخ غير ضارة: فهي عبارة عن منظومة راديو، صممت في جامعة البوليتكنيك في سان بطرسبورغ وأنتجتها المؤسسة العلمية "ستريلا" في أورينبورغ. هذه الصواريخ، ترتفع عاليا في الجو، وتطوف البلاد، مرسلة رموز إطلاق سرية لجميع حاملات ومنصات الصواريخ النووية. وتلك أيضا تتفعل تلقائيا.
تخيلوا كيف تبدأ الصواريخ النووية الباليستية العابرة للقارات من دون أي تدخل خارجي بالحركة والخروج من جحورها ثم الانطلاق، فقط من خلال تلقيها إشارة الإطلاق السرية للغاية.
غني عن الذكر أن نقول أن نظام "بيريميتر" صمم بشكل يستطيع مقاومة جميع آثار هجوم السلاح النووي. يقول فلاديمير يارينيتش أنه لا يعرف وسيلة يمكنها تعطيل هذا النظام إلى الأبد. فمنظومة المراقبة والقيادة، وأجهزة الاستشعار والصواريخ تم تصميمها لتعمل في ظروف الهجوم النووي. إن تعطيله يكاد يكون أمراً مستحيلا.
الصحافة الغربية تطلق اسم «اليد الميتة» على هذا النظام ووفقا لمجلة Wired حتى عام 2009، نظام "اليد الميتة" يعمل وفعال وعلى استعداد للرد.
يقول الفريق أول سيرغي كاراكايف، قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية: "نعم، نظام "بيريميتر" موجود اليوم. وهو على أهبة الاستعداد. وعندما تدعو الحاجة إلى ضربة انتقامية، عندما لا يمكن إيصال إشارات الإطلاق إلى القاذفات، هذا الأمر يمكن أن تنفذه صواريخ نظام "بيريميتر"…
بوتين في لقاء مع أعضاء نادي "فالداي"، رداً على تعليق أحد الحضور: "يمكنكم تدمير الولايات المتحدة خلال نصف ساعة." قال بعد برهة من التفكير: "في الواقع، أسرع من ذلك…"
يضيف قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية: الرئيس فلاديمير بوتين على حق. ولكن أعتقد أنه لا روسيا ولا الولايات المتحدة تريدان تدمير بعضهما البعض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق