الصفحات

أعلان الهيدر

الأحد، 12 مارس 2017

الرئيسية أكبر انتحار جماعي في التاريخ

أكبر انتحار جماعي في التاريخ



ربما لم يكن جيم جونز قاتل بالمعني المعروف للكلمة , لم يحمل سلاح ولم يقتل شخص بيده طوال حياته التي امتدت لثمانية و أربعون عاما , ولكنه فعل أكثر مما فعل عتاة القتل من أمثال تيد بوندى و إد جين سفاح تكساس المعروف وغيرهم من أشهر القتلة في العالم , جيم جونز قتل المئات من أتباعه في مدينته جونز تاون والتي أقامها في دولة جويانا , تلك الدولة الصغيرة الهادئة التي تقبع في أمريكا الجنوبية بالقرب من فنزويلا , قتل جيم جونز هؤلاء المئات بلسانه فقط و بقدرته العجيبة والمثيرة للدهشة على جعلك تفعل ما يريد بالضبط .


ولد جيم جونز في عام 1931 خلال فترة الكساد العظيم التي ضربت الولايات المتحدة في بدايات القرن الماضي , هو رجل دين بروتستانتي أمريكي ,كان معجب جدا بالشيوعية و مؤمن بها الى أقصي الحدود , كانت ولادته في مقاطعة راندولف بالقرب من حدود أوهايو الأمريكية , والده كان من المحاربين القدماء الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى , ونتيجة للصعوبات الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في ثلاثينيات القرن الماضي اضطرت عائلته للانتقال الي مدينة لين بولاية إنديانا وذلك عام 1934 , كان جيم طفل غريب الأطوار على حسب رواية أقرانه في المدرسة , وصفه أصدقائه بالمهووس بالدين و الموت معا , وكان عاشق للقراءة خاصة عن حياة و أفكار ستالين و كارل ماركس مؤسس الاشتراكية و المهاتما غاندي و هتلر .
في عام 1949 تزوج من الممرضة مارسيلين بالدوين , بعدها بعامان كان جيم جونز عضوا في الحزب الشيوعي الأمريكي و بدأ بحضور المناقشات و المحاضرات وكان عضوا نشطا و تأثر كثيرا بالأفكار الشيوعية .
كان جيم جونز رجل دين على قدر عالي من الاقناع , كان في بداياته رجل دين مؤمن بالطبقة الفقيرة و حقوقهم في المجتمع , أنشأ مطعم للفقراء و كان يقوم بتوزيع الطعام و المال و الملابس على الفقراء و المحتاجين , كان يدعو لعدم التفرقة بين البشر على أساس اللون , لذا كان من الطبيعي أن يتبعه و يؤمن به الكثير من الأشخاص في أمريكا , كان يتحدث عن المثالية و العدالة و نبذ العنصرية و السلام , تزايد عدد أتباعه ليصل في أحد التقديرات الى ثلاثون ألف من الأتباع المؤمنين بجيم جونز و بكونه هو مخلص العالم من الشر الذي يملأ العالم , خاصة بعد الحرب العالمية الثانية , لذا لم يكتفي جونز بكونه تابعا مخلصا للمذهب البروتستانتي و لكنه عمد بعد زيادة أتباعه و تأثيره على الساسة على تأسيس معبد الشعوب Peoples Temple , تزايد عدد المنتمين و الاتباع لذلك المعبد الذي أنشأه جونز الي درجة كبيرة ,الي درجة ان التبرعات و المنح كانت تنهال على جونز , ولكن ما لم يكن يعمله الا القليلون هو ادمان جونز للمخدرات و الجنس و الشذوذ , كان بالنسبة للكثيرين رجلا صالحا ورعا ولكنه لم يكن كذلك على الاطلاق , كان يظن انه قادر على فعل أي شيء و اقناع أي شخص بما يريده دون أن يكون لذلك الشخص القدرة على رفض منطق جونز أو الهروب منه , وعلى الرغم من رفض جونز المطلق وجود علاقات جنسية بين أتباع المعبد الا انه هو نفسه لم يتواني عن الانخراط في مختلف العلاقات الجنسية مع أتباعه سواء من النساء أو حتي الرجال .
تبني جونز العديد من الأطفال , كان يطلق علي عائلته عائلة قوس قزح , كان منهم أطفال كوريين ومن أصول أمريكية هندية و طفل أسود البشرة , كان هو و زوجته هم أول عائلة تتبني طفل أسود في إنديانا , كان ذلك في عام 1961 وكذلك قاموا بتبني طفل كانت والدته من أتباع معبد الشعوب.
في عام 1961 سافر جيم جونز الى البرازيل نتيجة التضييق عليه من المكارثيين الذين كانوا يحققون مع أي شخص بتهمة الشيوعية , كانت الشيوعية في الستينيات أشبه بالهوس المرضي عند الأمريكيين , كانوا خائفين أن تنتشر بينهم لذا راحوا يعتقلون أي شخص يظنون أنه شيوعي , نتيجة لذلك سافر جونز الى البرازيل واستقر فيها لمدة عامين حتي عام 1963 , كان سبب رجوعه وقتها الى الولايات المتحدة هو الأخبار التي نقلها له بعض مساعديه بأن معبد الشعوب على وشك الانهيار اذا لم يرجع جونز بنفسه الى الوطن و يديره بنفسه .
عندما عاد من البرازيل أقنع أتباعه بأن العالم سينزلق الي حرب نووية , أن منطقة الغرب الأوسط في أمريكا ستكون المسرح لتلك الحرب النووية وهي المنطقة التي يقع بها مقر معبد الشعوب , ولم يكتفي بذلك فحسب , بل أخبرهم أن ذلك سيحدث يوم 15 يوليو 1967 , ولذلك فإن معبد الشعوب يجب أن ينتقل الي شمال كاليفورنيا بدلا من إنديانا من اجل سلامة أتباعه , وبالتالي خلال خمس سنوات من انتقال معبد الشعوب الي كاليفورنيا ونتيجة لزيادة شعبية جيم جونز تعددت فروع المعبد في عدة مدن أمريكية منها سان فرناندو , سان فرانسيسكو و لوس أنجلوس , ولكن مع بداية السبعينيات بدأ اهتمام جونز يتركز حول المدن الكبيرةحتي يستطيع الحصول على المزيد من الأتباع و بالتالي المزيد من الأموال , لذا فقد نقل مقر معبد الشعوب الي سان فرانسيسكو ليكون أقرب من مراكز صنع القرار السياسي و مراكز المال , كان نفوذ و سطوة و شهرة جيم جونز تزداد كل يوم خاصة بعد انتقال المعبد الي سان فرانسيسكو , كان يتدخل في السياسة بفضل أتباعه و من يؤمن بأنه منقذهم من الدمار و الهلاك الذي يصيب العالم .
بعد عدة سنوات بات جيم جونز مقتنعا بضرورة بناء مدينة خاصة لأتباعه حيث يستطيع فعل كل ما يريد دون حساب أو عقاب , كان اتباعه يشعرونه بأنه فوق القانون و فوق الحساب , لذا كان من الطبيعي أن يفكر في بناء تلك المدينة , اختار جونز تلك الجزيرة الصغيرة والتي تسمي جويانا , وبدا هو وأتباعه ببناء تلك المدينة الفاضلة على حسب وجهة نظرهم بأيديهم من أخشاب الغابة المطيرة , كان عدد من تبعوه الى جونز تاون هم تقريبا ألف من أتباعه , كانت تسمي تلك المدينة المشروع الزراعي لمعبد الشعوب , كان اكثر من 68 بالمائة من قاطني المدينة من السود المقتنعين بكلام جيم جونز , حتي أن أتباعه كانوا يطلقون عليه اسم أبي , في تلك المدينة كان جونز ينمي و يغذي كراهية أتباعه للعالم الخارجي الملئ بالشر و الظلم على حد قوله وأنهم هنا في أمان مما يمكن أن يحدث لهم في الخارج .
في 17 نوفمبر 1978 كان ليو ريان السيناتور من ولاية كاليفورنيا الأمريكية قد ذهب الي جونز تاون ليلتقي أعضاء المدينة ومعه عدد من الصحفيين و المراسلين الغربيين , كان الهدف الرئيسي من الزيارة هو التحقيق فيما يخص تلك المدينة التي كان من بها لا يملك خيار الرحيل عنها , بعض الهاربين من جونز تاون كان يحكون تفاصيل مرعبة عما يحدث بداخلها من قتل لمن يحاول الهرب أو تعذيبه حتي الموت , لذا ذهب السيناتور الي جونز تاون للوقوف على حقيقة ما يحدث بها .
في اليوم التالي أي في 18 نوفمبر تحدث بعض الأشخاص من المدينة مع السيناتور لكي يخرجهم من المدينة معه ,كان عددهم 16 شخص قرروا الرحيل نهائيا عن المدينة في حماية السيناتور و الصحفيين بعدما رأوه من جنون جيم جونز الذي كانوا يبجلونه في يوم من الأيام , وبالفعل أخذهم السيناتور ريان معه للرحيل و العودة مجددا الى الولايات المتحدة ولكن أثناء وجودهم في أرض مطار مدينة بورت كايتوما فوجئوا باطلاق النار عليهم من عدة أشخاص بعثهم جيم جونز للقضاء علي الجميع , كانت صدمة لهم وراح الجميع يسعي للهروب من النيران التي انطلقت تحصد أرواحهم , بعد توقف اطلاق النار لفترة وجيزة سمع الموجودون في أرض المطار دوى 3 رصاصات إضافية , كانت تلك الرصاصات من نصيب السيناتور ليو ريان الذي توفي متأثرا بجراحه ذلك اليوم , بالإضافة الي السيناتور توفي 4 أشخاص آخرين لتكون المحصلة 5 قتلي بالإضافة الي المصابين , استطاع بعض الهاربين الوصول الي مدينة بورت كايتوما لاخبار السلطات التي وصلت المدينة فجر يوم 19 نوفمبر , فقط ليجدوا الكارثة , مئات القتلى المتناثرين في كل مكان داخل مدينة جونز تاون .
لم يتم التقاط أي فيديو بواسطة أتباع جونز لحادث الانتحار الجماعي هذا , ولكن كان يوجد شرائط صوتية توضح حدوث خلاف بين جونز و بعض أتباعه عندما أخبرهم بضرورة قيامهم بانتحار جماعي , كان جونز منذ أشهر يحاول اقناع الجانب السوفييتي بمنحه و أتباعه حق اللجوء بصفته قائد شيوعي و مؤيد للشيوعية ولكن السوفييت رفضوا ذلك خاصة بعد تردد الأنباء التي تفيد بمقتل السيناتور الأمريكي بواسطة رجال جونز و عدم رغبة السوفييت في تعقيد موقفهم المعقد أصلا مع الأمريكيين اذا منحوا جونز اللجوء لدولتهم , لذا فكر جونز في الانتحار الجماعي مع اتباعه , حدث الكثير من النقاش و الجدال , كان قرارا مصيريا وواجه الكثير من المعارضة , كانت فكرته تتلخص في وضع سم سيانيد البوتاسيوم في عصير العنب حتي يسهل شربه , وعندما قام الأتباع بالبكاء صرخ فيهم جونز قائلا , توقفوا عن الهستيريا , يجب أن نموت بكرامتنا , لا تقلقوا يا صغاري , ان الموت ما هو الا مرحلة للذهاب الي عالم أفضل , اننا لا ننتحر , اننا فقط نعترض على ظروف و أحوال ذلك العالم اللا انساني .
وبحسب شهادات الناجين من الانتحار الجماعي , فقد تم إعطاء الشراب المسمم الي الأطفال أولا وتم اخبار العائلات بالاستلقاء أرضا أولا بجوار بعضهم البعض ثم شرب الشراب المسموم , أما عن جونز نفسه فقد تم العثور على جثته مصابة بطلق ناري في رأسه , يرجح البعض ان جونز لم يقم بذلك بنفسه و لكنه أمر أحد اتباعه بالقيام بذلك و اطلاق النار عليه , لكن في كل الأحوال , سواء مات منتحرا أو قام شخص آخر بذلك فقد مات جيم جونز بعدما كان المتسبب الوحيد في مقتل 916 من اتباعه ثلثهم تقريبا من الأطفال .

يتم التشغيل بواسطة Blogger.